Copyright © 1989 - 2004 Ali Darwish. All Rights Reserved.

Interview Transcript

The following is a transcript of the interview with Ali Darwish broadcast by the Arabic program of the Australian Special Broadcasting Service on 16 September 1989.

فيما يأتي نص للمقابلة التي أجراها برنامج اللغة العربية في هيئة البث الخاص الأسترالية مع علي درويش في 16 أيلول / سبتمبر عام 1989  حول الترجمة ومشكلاتها. أجرى المقابلة المذيع جهاد الحلاق من البرنامج في ملبورن.

 


 

سؤال  

من خلال خبرتك الغنية في الترجمة الشفوية والتحريرية هل لك أن تعطينا صورة عن انطباعاتك وملاحظاتك عن وضع الترجمة العربية وما هي المشاكل التي تعانيها؟     

جواب

تعاني الترجمة العربية مشكلات أساسية كثيرة أستطيع حصرها في أمور ثلاثة هي: ديناميات الترجمة أو طرائقها، تأهيل المترجم ودوره في الترجمة،  والمصطلحات.

 

فأما ديناميات الترجمة ، أو ما يسمى بالإنجليزية (translation dynamics) فإننا نرى أن الترجمة العربية تتسم في الأغلب بالحرفية لا من حيث العبارات والمفردات المستخدمة فحسب، بل من حيث البناء والتركيب الإنشائي أيضاً. فالمترجم العربي ينزع إلى تتبع النص الأصلي تتبعاً حرفياً كلمة كلمة وجملة جملة. وباستثناء تقديم الفعل على الفاعل وتأخير الصفة عن الموصوف وتعديلات بسيطة تقتضيها قواعد اللغة فإنك تجد المترجم يتقيد تقيداً تاماً بالتركيب الإنشائي للجمل الأصلية وترتيب الوحدات المعجمية التي تتكون منها تلك الجمل دون الالتفات إلى ما يتطلبه بناء الجملة والفقرة في اللغة العربية وما تنطوي عليه عملية الترجمة من نقل للمعنى ونقل للمؤثرات البلاغية والبديعية كذلك. ولهذا النهج مزالقه ومحاذيره إذ أن لكل لغة أدواتها ومحسناتها اللفظية والبديعية وأساليبها البلاغية والإنشائية التي تعبر بها عن الأفكار التي تحملها وعن تصور أهلها للوجود والحياة.

ومن أبرز تلك الأساليب التوكيدُ. فأدوات التوكيد وطرائقه تختلف من لغة إلى لغة. وعدم دراية المترجم بهذا الاختلاف وبأساليب التوكيد في اللغتين العربية والإنجليزية مثلاً يؤدي في معظم الأحيان إلى توكيد ما ليس مؤكداً وإغفال ما هو مؤكد. وإن كان المعنى قد أُديَ حرفياً بشكل سطحي فإنه يفقد الوقع المقصود في النص الأصلي وبالتالي جزءاً من معناه.

سؤال 

هل لك بإمكانك أن تستطرد بالشرح إضافة إلى ما تفضلت به سابقاً ،  مع إعطاء بعض الأمثلة؟ 

جواب

لو نظرنا مثلاً إلى أحد أساليب التوكيد العام في اللغة الإنجليزية لوجدنا أن وضع الكلمة المقصودة بالتوكيد في آخر الجملة من شأنه عادةً أن يؤكدها ويؤكد المعنى العام للجملة كلها. أما في العربية فإن وضع الكلمة المقصودة بالتوكيد بعد الفعل مباشرةً في الجملة الفعلية يؤكد تلك الكلمة والمعنى العام للجملة كذلك. ومثال على ذلك الجملة الإنجليزية التالية:

 

Have you driven a Ford lately?

 

نجد ترجمتها بحرفيتها على النحو الآتي:

 

هل قمت بقيادة سيارة من نوع فورد حديثاً؟

فبغض النظر عن الخلل في الترجمة هنا واختيار المفردات نجد أن المترجم قد غاب عن باله أن وضع كلمة (lately) في آخر الجملة الإنجليزية جاء لتوكيدها وتوكيد المعنى العام. فإذا عدلنا الترجمة السابقة كالآتي: هل قمت حديثاً بقيادة سيارة من نوع فورد؟ لأدينا المعنى المؤكد في الأصل ببناء عربي موازٍ.

 

ولو تأملنا كذلك خطاب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في الرابع من حزيران/ يونيو عام 1940 ، إبان الحرب العالمية الثانية والذي قال فيه:

 

 

"We shall go to the end. We shall fight in France, we shall fight on the seas and oceans, we shall fight with growing confidence and growing strength in the air, we shall defend our Island, whatever the cost may be, we shall fight on the beaches, we shall fight on the landing grounds, we shall fight in the fields and in the streets, we shall fight in the hills; we shall never surrender."

 

نجد أن كتب التاريخ العربية التي تناولت هذا الخطاب قد غفلت عن الهدف المقصود من الأسلوب البلاغي في اللغة الإنجليزية وترجمت المقطع المذكور بحرفيته على النحو التالي:

 

"سنمضي الى النهاية. سنقاتل في فرنسا. سنقاتل في البحار والمحيطات. سنقاتل بثقة متزايدة وعزم متعاظم في الجو. سندافع عن جزيرتنا، مهما يكن الثمن. سنقاتل على الشواطئ. سنقاتل في المهابط. سنقاتل في الحقول وفي الشوارع. سنقاتل في التلال. لن نستسلم أبداً." 

 

ولكن تشرشل لم يكن يقرر حقيقةً واقعةً أو أمراً حادثاً بل كان يستحث الهمم ويزرع الثقة والأمل في نفوس المواطنين. لذلك جاءت جمله مقتضبة تكررت فيها الألفاظ والتراكيب المتوازية وتخللتها الفواصل فعزز هذا الأسلوب من الفكرة وأكدها وشددها. وكان حرياً أن تعكس الترجمة هذا التوكيد باستخدام أدوات التوكيد العربية وأساليبه. فلو فلنا مثلاً دون تغيير المفردات :

 

لَنمضيَّن الى النهاية. ولَنقاتلنَّ في فرنسا، ولَنقاتلنَّ في البحار والمحيطات. ولنقاتلنَّ بثقة متزايدة وعزم متعاظم في الجو. ولندافعن عن جزيرتنا مهما يكن الثمن. لنقاتلن على الشواطئ وفي مهابط الإنزال. ولنقاتلنَّ في الحقول  والشوارع والتلال. لكننا لن نستسلم أبداً.

 

لأعطينا المعنى حقه فصاحة وبلاغة.

 

وعلاوة على ذلك ، فإن لكل نص من النصوص ما يدعى بالمعنى الأولي أو primary meaning  والمعنى وظيفي أو operative meaning . والمعنى الأولي ينحصر في المدلولات المعجمية للعبارات والمفردات بمعزل عن سياق النص وفحواه. أما المعنى الوظيفي فيرقى بالعبارات إلى مداليلها ومعانيها المقصودة في السياق العام والخاص للنص. فلو أخذنا على سبيل المثال عبارة: 

 

Special Broadcasting Service وتأملنا كلمة service وترجمتها إلى العربية لوجدنا أن المعنى الأولي لهذه الكلمة هو "خدمة"، ولكن المعنى الوظيفي للكلمة في العبارة السابقة هو "مصلحة" أو "هيـئة".   

 

والأمر الآخر هو ما يدعى في الإنجليزية بـ collocation وهو تلازم الكلمات للكلمات. فمثلاً نقول: أجرى حديثاً وألقى خطاباً وعقد اجتماعاً. ولا نقول عادة:  عقد حديثاً وسلم خطاباً وأقام اجتماعاً بالمعنى المقصود آنفاً.    

 

فكلمة أجرى تلازم  حديثاً وألقى تلازم خطاباً وعقد تلازم اجتماعاً. وهذا التلازم  صفة من صفات اللغات. ولكن يقع المترجم العربي أحياناً  خلال ترجمته الحرفية وتقيده بالمعنى الأولي في أخطاء كثيرة من هذا القبيل. فنجد خطراً عالياً وأقام اجتماعاً ولعب دوراً ترجمة حرفية للعبارات الإنجليزية الآتية:

 

high risk

hold a meeting

play a role

 

وبعضها مقبول كما في لعب دوراً التي سرت على الألسن وحلت محل قام بدور. ومنها ما هو خطأ لا يقبل ، إذ أن المنطق اللغوي لا يتوافق مع المنطق الفكري للغة. فأنت إن أردت أن تتحدث عن شيء فإن كلامك يجب أن يتطابق مع فكرك . ولكن قد لا يتطابق كلامك مع فكرك فتأتي تعابيرك ناقصة الدلالة أو غير دقيقة. لذلك تلجأ اللغة إلى تلازم الكلمات للكلمات ضماناً لتطابق الكلام مع الفكر. والخروج على هذا التلازم المألوف بسبب اللبس والغموض. والكلام على ذلك كثير.

سؤال 

كما هو معروف فإن هناك نوعين من الترجمة: الترجمة الشفوية أو كما تعرف في الإنجليزية بـ interpreting والترجمة التحريرية أو كما تعرف في الإنجليزية أيضاً بـ translation. هل لك أن تشرح لنا الفرق  بينهما من حيث أساليب نقل المطلوب من لغة إلى لغة؟

جواب 

إن الفرق بين الترجمة الشفوية والترجمة التحريرية هو أنهما على تشابههما مهنتان مختلفتان من حيث الأساليب والطرائق ونمط العمل ووضعيته. فالمترجم الشفوي أو الترجمان يعالج الكلام المنطوق ولا وقت عنده للبحث المراجع والقواميس أو الرجوع إلى أهل العلم والاختصاص.  فهو تحت ضغط دائم يستند في ترجمته إلى طريقة الإلقاء والنبرة واللهجة وأمارات الوجه أو ما يسمى جملة بلغة الجسم أو body language، وكذلك إلى سياق الموقف الذي على المعنى العام أو يلمح إلى ما يجري عليه الكلام.

 

أما المترجم التحريري ، أو المترجم فقط ، فإنه يعالج كلاماً مكتوباً ، ويكون لديه عادة الوقت للرجوع إلى القواميس والمراجع وأهل الاختصاص. ولكن في يده نص مجرد من لغة الجسم. فيركن في ترجمته إلى الكلام المكتوب وإلى صياغة واختيار المفردات وما إليها من أساليب إنشائية وتراكيب  بلاغية. ومعينه في ذلك كله خبرته في الموضوع  الذي يتناوله النص ونبراسه معرفته بلغة النص الأصلي ودرايته باللغة التي يترجم إليها. وكذلك علمه بالوسائل الطباعية التي يعتمدها النص كالحروف الكبيرة والمائلة والسوداء وغيرها من رموز الترقيم وضوابط النص. وفي رأيي أنه لا فرق بين الترجمتين من حيث أداء المعنى الوظيفي الذي تحدثت عنه. فالتحرر من قيود الحرفية هو ما يجب أن يسعى إليه المترجم والترجمان على حد سواء. ولكن الفرق الأساسي يكمن في مكيانكيات الأداء والنقل. 

سؤال

هكذا علي ، لقد أعطيتنا صورة سلبية نسبياُ عن وضع الترجمة والمترجمين بشكل عام. وعلى ما يبدو فإن عمل صار عملاً صعباً. أليس كذلك؟

جواب

لعلي إذا رسمت صورة قاتمة لوضع الترجمة العربية ومشكلاتها ، فإني في نهاية حديثي أستشهد بترجمة حرة لبيتين من الشعر الإنجليزي يصفان المأزق الذي يجد المترجم نفسه فيه.

 

يكثـــر النقاد فأين المادحون؟ على أمرين يأسف المترجمون. إن هم أصابوا ما كان مفتكر.   وإن هم أخطأوا عزّ الغـافرون.

 

 

 


Back to Home Page

Back to Interviews