Copyright © 2006 ِAli Darwish. All Rights Reserved.

Arabic Journalism and the Illusion of Modernity:
Impact of Translation on Language, Thought and Expression

Abstract
(Full Arabic Text Below)

Click here for a PDF version (in Arabic)

Looking at the impact of literal translation on language, thought and expression in Arabic journalism today, this article contends that translation is a process of simplification; it (ideally temporarily) suspends the rhetorical properties of the target language in favour of those in the source language. Consequently, alien rhetorical features that only work in the source language are introduced to the target language—features which largely do not have the same rhetorical effects as in the source.     

In this sense, the article argues that modern writing styles of Arabic journalism today are not the product of original invention or ingenious planning, but rather a translation-induced Mickey-Mouse recreation of western styles through adherence to form stripped of its rhetorical features. It argues that what are regarded as underdeveloped old Arabic styles of writing by English language standards are highly developed and sophisticated styles that have become out of step with modern Arabic due to the decline of Arab civilization during the Ottoman rule and European colonization and post-colonial imperialist domination. Compared to Arabic writing styles in the Golden Age, modern styles represent a primordial stage of development. These old styles served well when linguistic development was on a par with intellectual progress in literature, science and technology and were more or less emulated in a reversed simplification process when the bulk of knowledge store was translated into European languages.    


 الصحافة العربية بين وهم الحداثة وحداثة الوهم:
أثر الترجمة في اللغة والفكر والتعبير

بقلم علي درويش
 4 آذار/ مارس 2006

يخطئ من يظن أن الوضع الذي آلت إليه اللغة العربية في العصر الحديث من تبسيط وتسهيل مزعومين يعود الفضل فيه إلى فعل متعمد وعمل مدروس من جانب الصحافة العربية والصحافيين في النصف الثاني من القرن المنصرم. وقد توهم بعضهم بأن الصحافة العربية اجتمعت ذات يوم وقررت بشكل واعٍ تغيير ملامح اللغة العربية وأساليب الإنشاء فيها وأجمعت على وضع إستراتيجية محددة وسديدة لتحقيق ذلك الهدف. فخلص الصحافي اللبناني أديب مروة في كتابه "الصحافة العربية: نشأتها وتطورها"، في عام 1961 إلى القول: "إن الأسلوب السهل المشرّف الذي وصلنا إليه اليوم في الكتابة بلغتنا العربية، لا يعود الفضل فيه إلى معلمي اللغة في المدارس والكليات، ولا يعود الفضل فيه إلى الكتّاب والأدباء القدامى، بل الفضل الأول في هذا الأسلوب يعود إلى الصحافة اليوم".

وما من شك في أن القرن العشرين قد شهد محاولاتٍ فرديةً متفرقةً وحَمَلاتٍ جماعيةً منظمةً، تارة "لتبسيط" اللغة العربية وتارة "لتحديثها"، وطوراً لإلغائها وإبدال العامية بها. وليس في هذا ما يدعو للعجب، كما يقول الأستاذ فوزي سالم عفيفي (1980)، "فصيحات الأمس كصيحات اليوم، مزيج من أصوات جاهلة مدفوعة بعجز الوسائل وقصور الثقافة وأصوات نفثتها أهواء عنصرية أو حرّكتها أحقاد تاريخية دفينة تنتظر الفرصة المؤاتية لتنشر سمومها فتختار لنفسها دعوة الإصلاح أو صيحة التجديد لتصرف عنها الشكوك أو تحول عنها الارتياب..." (290) . أما اليوم فلم تعد تدعو الحاجة إلى تمويه أو مواربة أو كياسة، بل أصبح التدخل السافر سياسة واضحة لا ريب فيها.

وما من شك أيضًا في أن أساليب الكتابة والإنشاء في اللغة العربية قد أصابها قدر كبير من الجمود والتحجر والتقعر والعقم إبان النفوذ العثماني والاستعمار الأوربي الذي أعقبه، وما انطوى عليه من إقصاء وتغريب وإلغاء للغة العربية في عقر دارها، كما حدث في الجزائر وجواره على يد الاستعمار الفرنسي، بعدما وصلت تلك الأساليب إلى درجة رفيعة من الرقي والتطور والتعقيد في عصرها الذهبي، فأخرجت إلى الحضارة البشرية عباقرة كانت أساليبهم في الإنشاء غاية في الوضوح والفصاحة والبلاغة والتواصل الفعال، في التعريف والوصف والتحليل والنقد والجدل والكتابة التقنية وغيرها، كابن خلدون، وابن رشد، والفارابي، والرازي، قلدهم الغرب بل سرق نتاجهم وادعاه لنفسه، كما حدث في رسالة الغفران لفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري والملحمة الإلهية للكاتب الإيطالي دانتي، وكما يحدث اليوم من سرقات فكرية في العالم العربي من نتاج أمم أخرى. فانقطاع التطور الطبيعي للفكر والثقافة والحضارة للمجتمعات العربية وعدم الانتقال من الأمية إلى العلم والمعرفة على نحو شامل ومستمر ومضطرد قد أدى إلى انقطاع في تطور أساليب الكتابة والإنشاء في اللغة العربية، فأبقاها حيث وصلت إليه، بينما راحت المجتمعات في تقهقر وتراجع والمعارف في انحسار، فاختل التوازن بين الأساليب وتخَلُّفِ المجتمعات فتحولت الأساليب إلى قوالب جامدة وتعابير مجترة، ولم تعد اللغة بأساليبها المعقدة والمتطورة تجاري التخلف فجمدت ووقفت في مكانها فكان سبب جمودها تخلف الناطقين بها ولم تكن سبباً في تخلفهم. وقد توهم كثيرون بأن التبسيط هو من أمارات الرقي في الأساليب والتقدم في طرائق التعبير عن الفكر والوجدان الإنساني. ولكن الحقيقة الثابتة في علم الأساليب الإنشائية هي أن الإنشاء يزداد تعقيداً مع تطور المجتمعات وانتقالها من مراحل الأمية إلى مرحلة العلم والمعرفة، وتتفاوت درجاته بحسب غاياته ووظائفه. ولقد قالت العرب قديماً: لكل مقام مقال. فانتشار الأمية من جانب وجمود الأساليب من جانب آخر أديا إلى توسيع الهوة وإحداث ثُغرة كبيرة بين أساليب التعبير العامية وأساليب التعبير في اللغة المعيارية التي لم تعد تلبي الاحتياجات التعبيرية للناطقين باللغة العربية آنذاك، كما زعموا وتوهموا.

غير أن ذلك الفضل المزعوم بلا ريب يعود في قدر كبير منه إلى اعتماد أولئك الصحافيين، ومن لف لفهم وحذا حذوهم من إعلاميين "متعصرنين" حتى يومنا هذا، أسلوبَ الترجمة الحرفية في نقل الأخبار والأنباء من وكالات الأخبار الأجنبية والصحف العالمية، مما أدى إلى "تبسيط" في الأسلوب و"تسهيل" في "الإنشاء". ذلك أن الترجمة الحرفية بطبيعتها تعطل الأساليب الطبيعية في اللغة المنقول إليها، فيلجأ المترجم إلى نقل المحسنات البيانية والبديعية من لغة المصدر إلى لغة الهدف، دون دراية بما يُحدثه هذا النقل من تعطيل، إما بسبب ضيق الوقت لديه — ذلك أن نقل الأخبار من المصادر الأجنبية يقتضي سرعة وعجلة في الإنتاج— وإما بسبب افتقار معظم العاملين في هذا المجال إلى المهارات والطرائق والمنهجيات الواعية التي تكفل نقل الأخبار دون تعطيل أدوات اللغة المنقول إليها، وإما بسبب الاثنين معًا. ولما كانت طبيعة النفس البشرية تميل إلى التقليد والمحاكاة، (monkey see, monkey do)، والامتثال والانصياع إلى رأي أصحاب الشأن والنفوذ، وما يسمى اليوم بالسلطة الرابعة، فإن الأساليب المنقولة من اللغات الأجنبية، لاسيما الإنجليزية، سرعان ما اكتسبت شرعية في مجالات كثيرة وفي صفوف الناشئة. ثم جاءت مجامع اللغة العربية تجر ذيول الاستكانة والقبول بالأمر الواقع فراحت في جلساتها واجتماعاتها ومؤتمراتها تناظر وتجادل وتحاجج ثم تخرج بقرارات ومقررات ومراسيم، بعدما فات السبت.

وهذا ما تفعله الفضائيات العربية اليوم بدرجة أكبر وأسرع في غياب رهيب وصمت أصم لمجامع اللغة العربية التي يبدو كأنها تخلت عن دورها أو كأن وظيفتها قد انتهت. فلو تأملنا الجمــلة الآتية: (Don't’ fool yourself, speed kills) لوجدنا أن معظم المترجمين الصحافيين يترجمونها على هذا النحو: لا تخدع نفسك السرعة تقتل. وفي هذا تعطيل بيّن للمحسنات البيانية في اللغة العربية. ودون الخوض في تفاصيل كثيرة، فلو تأملنا التعديل البسيط الآتي: لا تخدعنّ نفسك فالسرعة قاتلة، لأدركنا دور الأدوات اللغوية التي تنقل المعنى وتستوفي شروط البيان والفصاحة والبلاغة. ورب صائح يصيح كالديك الفصيح: "هذا أسلوب قديم عفا عليه الزمن وأصبح لغة خشبية". ولكننا لا ننتظر من ضعاف النفوس وصغار العقول أن يعتمدوا هذا الأسلوب في التعبير، ولكنه مجرد مثال على تعطيل الترجمة الحرفية لأدوات اللغة المنقول إليها واسترداد شيء منها بتعديل بسيط.

وما فتئ الإعلام العربي يحدث تغييرات جذرية في اللغة العربية من خلال الترجمة الحرفية الجاهلة، فإذا بالمضاف والمضاف إليه يختفي شيئاً فشيئاً، فتجد (حادث مروري) بدلاً من (حادث سير أو مرور)، و(نِقاط خلافية) بدلاً من (نِقاط خلاف)، وإذا بالمفعول المطلق وصيغة الفعل المجهول يختفيان رويداً رويداً، وتختلط الإضافة الفاعلية بالإضافة المفعولية (اعتقال خمسة رجال في جريمة الحريري) ويكثر اعتماد الفعل البديل الإنتاجي إلى حد كبير من السخف والهزال الفكري، بحجة اختفاء حركات الإعراب من الطباعة العربية، ونحن في وسط مرئي مسموع. فتسمعهم يقولون: (تمت عملية اغتيال الرئيس...). وفي آخر صرعات الإعلام، لاسيما في المدرسة اللبنانية، بتر (ما)، واستخدامها كفاء سببية (ضرب زلال ما أدى).

يقول أحمد فارس الشدياق: "إن لغات الإفرنج لم تزل في ضم الكلام بعضه إلى بعض في حالة طفولية، أعني أنهم يوردون جملة جملة اقتضاباً من دون حرف عاطف وكثيراً ما يوردون الجمل من دون مناسبة أو ارتباط". وهو ما يعرف بالتعاطف ونوْعَيه: التماسك والتلاصق. وقد انتقدت إحدى الباحثات الأوربيات، كما ذكرنا في مناسبة أخرى، هذا الأسلوب في العربية في معرض دراستها لأعمال الروائي المصري نجيب محفوظ، فاعتبرت تحوله عن هذا الأسلوب إلى أسلوب يشبه الإنشاء الإنجليزي في المراحل المتأخرة من نتاجه الأدبي تطوراً عنده، لعجزها عن فهم هذه الظاهرة ووظيفتها في اللغة العربية. فإذا بالصحافيين والأدباء المقلدين يحاولون، بتقليدهم الأعمى ودون دراية، عكس عملية التطور فيما يمكن تسميته بالهندسة المعكوسة، ويظنونه تبسيطًا وتسهيلاً. ولم يكن تأثير الترجمة في الأسلوب الصحافي آنذاك بهذا الوضوح فظن الناس أن ذلك من واقع العبقرية العربية والإبداع لدى الصحافيين العرب والمستعربين. أما اليوم فبفضل الانتشار الواسع للفضائيات الأجنبية والعربية ووسائل الإعلام الأخرى كشبكة الإنترنت، فلم يعد خافيًا على مطلع أو مراقب ومحلل من أين تتأتى تلك العبقرية الفذة والفريدة.

لقد كانت وسائل الإعلام في الماضي حكراً على قلة قليلة من النخب المترفة والمنعمة، تخضع لتقسيمات قبلية وعشائرية وطائفية ومذهبية. ورغم أن الأمر اليوم لا يختلف كثيراً عن ذلك الماضي القريب المخزي، فإن (وليس إلا أن، كما يشيع خطأً وجهلاً في إعلامنا المفتوح) شبكة الإنترنت والمدونات وغيرها من وسائل التعبير التي حطمت احتكار تلك القطط المتخمة الشرهة والمتخلفة، قد فتحت الباب على مصراعيه لمن شاء أن يعبر عن رأي أو فكرة أو موضوع. ومع ازدياد اطلاع الناس على نتاج الشعوب الأخرى بكثافة وتواتر لم يشهده تاريخ الإعلام من قبل، تتكشف مصادر إبداع الصحافة والإعلام العربي ودوره الماجن في إحداث تغيير في اللغة العربية لا عن جدارة وعبقرية بل عن جهل واستلاب وحماقة. وليس الإعلام العربي بأولَّ من غَرَّهُ السَّراب!



Copyright © 2006 Ali Darwish.
All rights reserved. No part of the contents of this document may be copied, reproduced, or stored in any retrieval system, without the express permission of the author.

Please direct all comments on this page to Ali Darwish.

Back to Home Page