Copyright © 2004 ِAli Darwish. All Rights Reserved.

Published concurrently in al-Manac (23 May 2004)

Problems of Proper and Place Names and Secrets of Pronunciation in Arabic Satellite Television

Abstract
(Full Arabic Text Below)

Click here for a PDF version (in Arabic)

This article examines the problem of pronouncing foreign proper and place names in Arabic satellite media and presents a poignant critique of the prudish ways of articulating foreign words that might sound rude or sexual.  Arabic news readers prefer to pronounce foreign proper names and place names in the native phonetic form of foreign names, thus flouting the rules of Arabic pronunciation, drawing attention to the very thing these methods are trying to avoid, and producing a reverse effect.  This article also examines pronunciation and intonation problems of Arabic news readers.   


حـذار من خضـراء الـدِّمِـنِـكِنْ:

مشكلات أسماء البلدان والأعيان وأسرار التلفظ في الفضائيات العربية

بقلم علي درويش

جرت العادة أن يعرض الطيران الدولي مسار الرحلة على شاشة كبيرة في الطائرة ، وذلك لإبقاء المسافرين على بينة من تقدم سير الرحلة وتسليتهم وحملهم على الصبر والأناة في رحلات تكون في معظمها مضنية ومضجرة.

 

وأثناء مرور طائرة إحدى الخطوط الجوية العربية في الأجواء الأسترالية تعرض مسار الرحلة فوق معلم مهم من معالم تلك القارة العظيمة المتناهية الأطراف، بالإنجليزية أولاً بالطبع، فيرى المسافر اسم تلك الصخرة العظمى (Ayre’s Rock) وما يحيطها من مدن أخرى كأليس سبرنغ وبيرث ودارون. ومن ثَمَّ بالعربية. فلا يسع المسافر الذي يكون قد أصابه الضجر والملل سوى أن يلاحظ اختفاء اسم ذلك المعلم من الخريطة ! أما بقية المدن فتبقى في مكانها. ومن الواضح أن المترجم أو من يشرف عليه في شركة الطيران تلك وجد حرجاً في كتابة الاسم بالعربية. فلم يجرؤ على كتابته (إيــــرز روك)، بالمناقلة الحرفية. ولا حياء في العلم. فآثر حذفه وفرض الرقابة على المسافر العربي الذي قد لا يكون متيقظاً ومتنبهاً للفروق بين الخريطتين ، وإن كان على علم وتمكن من فك الحروف الأجنبية. 

 

وكان بإمكانه بمنظوره الضيق وعقله الأحادي المسار اللجوء إلى الاسم الأصلي الأبورجني للصخرة  - أولورو- (Uluru) ليخرج من مأزِق وضع نفسه فيه دون مبرر، لسبب واحد هو هيمنة الجنس على دماغه وأدمغة لفيف كبير معقد من العرب. فحتى كلمة صباح الخير صارت، إن أصاب البثَ خللٌ ، أو لعلها ما انفكت ، سواءٌ أكان البث مشوشاً أم لا شائبة فيه سوى سماع شهيق وزفير المذيعين وهم يلتقطون أنفاسهم بين الجملة والجملة، لافتقارهم إلى التنفس السليم أثناء الكلام (فكأننا نسمع مريضاً يحتضر في غرفة العناية الفائقة)، تجلب الابتسامة إلى وجوه المذيعات اللواتي ينقلن إلينا الخبر الجاد ويتحاوَرن مع المشاهدين في منتديات ومنابر مفتوحة كانت إلى أمد قريب تحترم العقل ثم كلّت فولّت لطغيان الغباء والجهل على عقول معظم الناس وانصرافهم إلى أمور الدنيا.

ولا شك أن أسماء البلدان والأعيان الأجنبية تشكل مشكلة من المشكلات الرئيسة في الترجمة عامة وفي الإعلام العربي الفضائي بشكل خاص. وتتمثل هذه المشكلة في بعض جوانبها، فيما يتبين لنا من تحليل للنصوص والتسجيلات المتوافرة لدينا ، في جهل المترجم بأصول النقل والتعريب وافتقاره إلى المعرفة اللغوية وقواعد الاشتقاق والتصريف، فتجد حالة مقرفة مزرية من الاستهتار عند معظم المشتغلين في الترجمة، وعند القائمين على تدريب الإعلاميين والمترجمين وإعدادهم لمزاولة ثاني أقدم مهنة في العالم، وعند من يدعي في منتديات هلامية للترجمة، مشبوهة الأصول والجذور – والحجر الغصيب في الدار رهن بخرابها– وتفتقر إلى المصداقية والاحتراف ، يدعي بالحرص على سلامة اللغة والترجمة بأساليب غوغائية تشبه إلى حد كبير أسلوب أحمد سعيد في المبالغة والتضليل والتلحيس والتدليس. وتتجلى كذلك في عدم دراية المذيعين بطرائق التلفظ السليم، لا في العربية ولا في الأجنبية،  فنسمع بين الحين والآخر عن حاكم إداري في العراق اسمه primmer، بالباء المعجمة، وعن هجوم على المَرِنز، أي الماريـــنز(Marines) بمدافع الهَاوْنْ، أي الهَاوَن، واجتماع للرئيس بووش (Bosh)، بالواو المعجمة الغليظة، أي Bush، في البيط الأبيط، يعني البيت الأبيض. وما أحرج أن نسمع ذاك المحاور الذي يتنقل من برنامج إلى آخر كابن بطوطة، متمادياً في غيه وصلفه وعنجهيته، يتخبط ويتلعثم تلعثم الأَنْــوَكِ وهو يتلفظ الحرف الإنجليزي لاسم إحدى الضيفات الأجنبيات. فلا هو حرف إنجليزي ولا فرنسي ولا روسي، فلا تعرف له شاكلة.       

ويكمن الجزء الأكبر من تلك المشكلة في الاحتشام المتكلف والمتصنع، فتجد جهابذة الإعلام يخفقون في تعريب أسماء البلدان والأعيان ، فيلفظونها على حالها كما لو كانت تُنطق باللغة الأجنبية. فتطالعنا إحدى المذيعات بخبر عن الانتخابات في الدِمِنِكِنْ فيما يشبه طريقة تلفظه في اللغة الإنجليزية، نقلاً عن Dominican. وأخرى تلفظ إيرلندا باللغة الإنجليزية آيرلاند. وتيك أخرى تنطق المِتْرَ على الطريقة الفرنسية: مِاتْرْ (metre) بعد عهود وعقود من تعريب هذه الكلمة واستعمالها بلفظها العربي، في مرآة تعكس الحالة النفسية المتردية عند الإعلاميين الذين لا يعرفون ما يفعلون ، ويشبّه لهم أنهم على مكنة من أمرهم. وليت هنداً أدركت أن كلمة (المتر) التي تتشدق بها بالفرنسية عارضةً عضلاتها الثقافية ومظهرةً انتماءها الثنائي اللغة، بين الأخطاء اللغوية الفاضحة من نصب للفاعل ورفع للمفعول وغيرها، ذات أصل عربي، ومعناها كما تورده المعاجم العربية القديمة هو كالآتي، ولكنها عادت إلينا من الباب الاستعماري والاستلاب الحضاري والمسكنة والضعة ،  فكأنها لفظ أجنبي.   

مَتَرَ يَمْتُرُ مَتْراً : الشَّيْءَ: قَطَعه؛ مَتَرَ صِلَتَهُ بِه، مَتَرَ الحَبْلَ ونحوَه يَمْتُرُهُ: مدَّه؛ مَتَرَ الحاجزَ بين الحديقتين. و مَتَرَ بسَلْحِه: رمى لم به.و مَتَرَ الشّيْءَ: قاسَه بالمِتْر؛ متر البِساطَ ليقدّر ثمنه. والمَتْرُ : المَدُّ. ورأَيته يَتَماتَرُ أَي يتجاذب ، و تَماتَرَتِ النارُ عند القَدْحِ كذلك . والمَتْرُ السَّلْحُ إِذا رُمي به .

وهذا ليس من باب الادعاء بأن أصل كل اللغات عربي كما يفعل بعض الأقوام ، عجزاً عن التجديد وبكاءً على الأطلال، دون أساس علمي أو سند منطقي أو تحليل لغوي، أو كما يفعل جيراننا اليونان دعابة بأن أصل كل شيء يوناني. فتلك حقيقة لغوية موثقة لا يمكن نكرانها أو رفضها. وليست تشابهاً في الألفاظ أو مصادفة.

ولا يسع المرء في هذا المجال إلا أن يتساءل عن هذه الطريقة في تلفظ تلك الأسماء على هذا النحو. فلفظ Dominican  هو نعت في الإنجليزية للفظ Dominica ، يقابله ياء النسبة في العربية. والدومنيكا ، هي البــلدُ الجزيرةُ الذي يقع في البحر الكاريبي. وجمهورية الدومينيكان (Dominican Republic) أو (Republica Dominicana) هي البلد الذي يشاطر هايتي جزيرة إسبانيولا في البحر ذاته.  فتجدهم يتجنبون القول الدومنيك أو الدومينيكان احتشاماً، وربما خجلاً ... for they have sex on their minds.

ومن مظاهر الضعف في تلفظ أسماء البلدان والأعيان الأجنبية في الفضائيات والأرضيات العربية عدم الاتساق في نظام الاقتباس والتلفظ، وتأثر المقترضين والمقترضات المعيبين والمعيبات والشائبين والشائبات باللغة المقترضة أو بلغتهم الأجنبية الثانية. فتسمعهم يقولون النيتو بدلاً من الناتو (NATO). ولا شك أن نيتهم صافية فلا يقصدون ضرراً. وليلى في العـراق مريضة. وتكثر الألفاظ الأجنبية التي تبقى على حالها دون مراعاة شـــروط التــلفظ في اللغــة العربية أو نظـــامها الصوتي. فتجـــدهم يقولون بْرِيطانيّـــة بتسكين الباء وكســر الــراء (britAniyyah) بدلاً من بـِرِيطانيّة [1] (بكسر الباء أو فتحها وكسـر الراء)، مخالفين بذلك أبسط قاعدة في النظام الصوتي العربي وهو عدم الابتداء بحرف ساكن، وما يخالفه من همزة وصل يدغم بالحرف الذي يليه. لذلك قال العرب السالفون إستديو في studio  وليـس ستديو واستراتيجية في strategy ، وليس ستراتيجية. ولو قارنت هؤلاء الإعلاميين الجدد بأسلافهم وأجدادهم لوجدت فرقاً كبيراً وبوناً شاسعاً في تعاملهم مع الألفاظ الأجنبية كما في غرناطة لـ Granada  و طليطلة لـ Toledo  وغيرها. وبالطبع ، فالغاية هنا ليست العودة إلى تلك الطرائق القديمة على ما فيها من قوة وجمال وإبداع وأصالة، بل إخضاع الألفاظ الأجنبية للنظام الصوتي العربي بشكل طبيعي تألفـه الأذن.  

ومن الواضح أن هناك سياسة تفرضها على المذيعين والمذيعات مومياءات متصلبة تجاوزها الدهر. فتجدهم يتخبطون في اللفظ الواحد في النشرة الإخبارية الواحدة بين ما هو طبيعي يخضع للنظام الصوتي العربي بشكل عفوي وما هو متكلف ومتصنع يخالف قواعد اللغة والطبيعة. فنسمع عَبوة وعُبوة وعِبوة وعُبّوة وعِيان وعَيَان وعَيَّان بتشديد الياء. وهذا الأخير ربما يحتاج إلى إسعاف يهرع به إلى المستشفى فيدخلونه بلوك أو ، يعني (block O)، حتى يبّل من مرضه النفسي المزمن.  

وتجد إصرارهم على تسكين الحرف الثاني في جمع الاسم الثلاثي بغض النظر عن حركة حرفه الأول ، كما في خِدْمَة وحَلْقَة ورِحْلِة وأزْمة وخُطْوة، مخالفين بذلك قاعدة جمع الاسم الثلاثي ومتجاوزين قاعدة الإتباع في الصّرف، وهو إعطاء الساكنِ حركةَ ما قبلَهُ في جمع المؤنث السالم، نحو: ذُرْوَةٌ ذُرُوات، وحَلْقَة حَلَقَات. ويخلطون بين وجوب الاتباع وجوازه فيأتي كلامهم جامداً متحجراً يفتقر إلى الحيوية والليونة والسلاسة. ويخطئون في المصدر فيقولون تِكرار (بكسر التاء) ، و بِدء (بكسر الباء)، وتِجوال (بكسر التاء)، وفِرْع (بكسر الفاء) بدلاً من فتحها. وهكذا دواليك.

وتجدهم يخطئون ويخلطون في تلفظ المضارع من الفعل الثلاثي المزيد بألف فيقولون يَطِل (بفتح الياء وكسر الطاء) بدلاً من يُطِلُّ (بضم الياء وكسر الطاء من أطل يُطل وليس طل يَطل بمعناها المختلف) أو نُلفِتُ (يضم النون وكسر الفاء) بدلاً من نَلفِت (بفتح النون وكسر الفاء).  

ومن أسرار التلفظ عندهم كذلك تقطيع الكلمة الواحدة إلى أجزاء مفككة ، نحو: أرْ ــــ باعــةُ  قتـ .... لى (أربعة قتلى) ، و أعـ ـــــــ لانَ (وأعلن)، وااااا  معـــــي الآ ــــــ ن (ومعي الآن). وبين المقطع والمقطع مسافة زمنية فاصلة تمكّن المشاهد من اقتناص الفرصة لإعداد فنجان قهوة أو شاي، أو قضاء حاجة أو أمر أمسك نفسه عنه ترقباً لخبر مهم عاجل ، لا سيما عندما يقفون في نصف الكلمة ثم يلفظون بقيتها محدثين صدى أو صهيلاً كصهيل الخيل، نحو : يحْ ..... تجزْههههه و تن .... سحبههههه! فكأنهم يقبعون في برميل فارغ. ثم إصرارهم على تسكين النون والهاء معاً في مِنْهُ أينما وقعت في الجملة، وكذلك إدغام "أن"  بياء الفعل المضارع ( أي يقول) تجويداً للكلام وبقية البنيان مضعضعة متداعية. وعُثـَيْثـَةٌ تَقْـرِمُ جِلْداً أملسا! 

 

وقد جرت العادة عند العرب في التنغيم أن يكون مطلع الكلام عالياً ثم يأخذ بالانخفاض. ولكن يلاحظ في الإعلام العربي ارتفاع الكلام في بدايته وانخفاضه وارتفاعه فكأننا نسمع تصويراً موسيقياً لراقصة شرقية.

ثم يشبرن بأيديهن ويلوحن بهن كأنهن يلقين محاضرة علينا أو يمثلن على خشبة مسرح يوسف وهبي أو التياترو الكبير.  وذاك يلعب بقلمه ويضعه في فمه ثم ينقر به سطح الطاولة التي يجلس إليها. فيجد المشاهد نفسه يتتبع إيقاع تلك الحركات الفوقية المتصنعة منصرفاً عن مادة البرنامج وفي العين قذى.         

وثمة مشكلة وثيقة تختص بتقديم بعض المنتديات بصيغة السؤال والجواب. فيتملصون من المسؤولية امتهاناً لذكاء المشاهد واستخفافاً به، إذ يقول أحدهم ، ويقول آخر، والكلام في الواقع لمعد البرنامج نفسه. ولنا هنا وقفة أخرى. وقد يضنيك أن تسمعهم يرددون الجواب نفسه. ربما... ربما ... ربما ... في مجال إعلامي يقتضي التنويع في الأساليب البلاغية لشد المشاهد واجتذابه والاستئثار بانتباهه، نحو : ربما ولعل ومن المحتمل وغيرها من الحصيلة اللغوية التي لا يتسع لها المجال هنا.

أما التراجمة ( أي المترجمون الشفهيون)، فحدث ولا حرج. فناهيك عن نوعية الأصوات التي تصر صرير الأظافر فوق لوح أسود فتخدش الأذن وتقشعر لها الأبدان، تجد المتحدث في وادٍ والترجمان في واد آخر. وكل شي يبدأ عند أحدهم بــ "أعتقد" بخنة وغنة وإن لم يقل الضيف الكريم I think أو ما يشبه ذلك. وذلك ترجمان لا يعرف الفرق بين صيغة المتكلم وصيغة المخاطب ، فعنده كل شيء مفتوح منصوب ، نحو : أنا قلتَ لك (بفتح التاء في قلت) وأنا أكونَ (بفتح النون)، على طريقة السؤال الفلسفي (نكون ولا نكون) بفتح النون على طريقته. ولا أدري من أي شلة جهل وأمية أتوا. ويخرسون صوت المتحدث فلا نكاد نسمع منه شيئاً فنركن إلى الترجمان حتى يتسنى لنا أن نعود إلى الأصل الذي تبثه القنوات الأميركية لندرك بل لنتثبت من فداحة الخلل في الترجمة. وسرعان ما يفقد المرء ثقته بما يسمعه من تلك الفضائيات نقلاً عن تلك الشخصيات رغم المديح والإطراء المتكرر في جمعيات الإعجاب المتبادل على مبدأ أضئ لي أقدح لك!       

تلك حفنة من أخطائهم وعيوبهم المهنية التي يصرون عليها إما جهلاً بأصول اللغة أو عنادا، ولا يحبون نقداً أو انتقادا.  وفي عالم يتزايد فيه الاعتماد على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة "لأن الوقت لا ينتظر"، فالجميع يتسابق إلى اجتماعات عمل تتجاوز قيمتها المليون دولار في اليوم بين المقاهي الشعبية ومقاهي الإنترنت وغرف الدردشة من جهة والفقر المدقع والبؤس والشقاء في مستنقعات المخيمات وبؤر الاحتلال من جهة أخرى، يطغى التأثر باللغات الأجنبية على طرائق التلفظ عند المذيعين والمذيعات العرب في الفضائيات. ومن يتتبع تلك الوسائل بشيء من الدراسة والتحليل يقف على أمور تتراوح بين المضحك المبكي والسخيف والخطير المحزن. ولا شك أن الصوت والصورة هما ركنان أساسيان من أركان الإعلام المرئي. ولكن الإعجاب يمنع الازدياد. فحذار من خضراء الدمن.

 


 [1] بينما يقولون فَرَنسية (بفتح الفاء والراء). وفي هذا تناقض بيّن ومفارقة واضحة.

 

 



Copyright © 2004 Ali Darwish.
All rights reserved. No part of the contents of this document may be copied, reproduced, or stored in any retrieval system, without the express permission of the author.

Please direct all comments on this page to Ali Darwish.

Back to Home Page